أكتـوبر .. يوم العبور العظيم ونصر الكرامـة
كتبت: ميـرنا صقـر
في تاريخ الأمم لحظات لا تُنسى، لحظات تغيّر مسار الشعوب وتعيد كتابة التاريخ بحروف من نور، ويوم السادس من أكتوبر عام 1973 كان واحدًا من أعظم هذه الأيام في تاريخ مصر والعالم العربي، حيث نجح الجيش المصري في تحقيق نصر مبهر أعاد الكرامة للأمة بعد سنوات من الانكسار.
بعد هزيمة يونيو عام 1967 لم تتوقف مصر عند حدود الانكسار، بل بدأت فورًا مرحلة جديدة سمتها الإرادة والصبر والإعداد. دخل الجيش المصري حرب الاستنزاف (1968 – 1970) التي استهدفت إنهاك العدو ورفع معنويات الجنود، وكانت بمثابة تدريب عملي على المعركة الكبرى.
ومع تولّي الرئيس أنور السادات الحكم، اتخذ قرارًا استراتيجيًا بأن استرداد الأرض لابد أن يكون بالحرب، لكن الحرب لا تبدأ إلا بعد استعداد شامل ودقيق. لذلك عملت القيادة على إعادة بناء الجيش، وإدخال أسلحة حديثة، وتدريب الجنود على عبور القناة، واقتحام الساتر الترابي الضخم المعروف بخط بارليف.
في الوقت نفسه، نفّذت مصر خطة خداع استراتيجي بارعة، فأظهرت للعالم أنها غير مقبلة على حرب، بينما كانت القوات تستعد سرًا. الجنود تدربوا على فتح الثغرات في الساتر الترابي باستخدام مضخات المياه، وعلى إقامة الكباري والمعابر بسرعة فائقة. وكان اختيار يوم السادس من أكتوبر، الموافق العاشر من رمضان ويوم عيد الغفران عند إسرائيل، عنصرًا حاسمًا في المفاجأة، ليبدأ العبور العظيم ويفتح باب النصر الذي غيّر مسار التاريخ.
وفي تمـام الثانية ظـهرًا من يوم السادس من أكتوبر، بدأت الضربة الجوية الأولى التي نفـذتها أكثر من 220 طائرة مصرية، فأصابت مواقع العدو بدقة وأفقدته توازنه. ثم تبعها قصف مدفعي مركز استمر قرابة ساعة كاملة، ليمهّد الطريق أمام قوات المـشاة.
المعجزة الكـبرى تجـلّت في عبور قناة السويس، حيث اندفع آلاف الجنود المصريين نحو الضفة الشرقية، وتمكنوا من فتح ثغرات في الساتر الترابي الضخم خلال ساعات قليلة باستخدام مضخات المياه. وسرعان ما تم إنشاء الكباري لعبور الدبابات والمعدات الثقيلة، في مشهد أبهر العالم وأذهل العدو.
وبهذا العبور، تحطمت أسطورة خط بارليف، وارتفع العلم المصري على الضفة الشرقية للقناة، ليعلن أن مصر استعادت عزيمتها وقدرتها على المواجهة.
لم يكـن نصر أكتوبر عسكريًا فقط، بل كان نصرًا نفسيًا ومعنويًا أيضًا. فقد أعاد الثقة للمصريين في أنفسهم، ورفع معنويات الأمة العربية بأكملها. وعلى المستوى السياسي، أجبر العالم على إعادة النظر في موازين القوى، وفتح الطريق أمام استعادة الأرض عبر المفاوضات التي جاءت لاحقًا.
لقد أثبتت مصر في هذا اليوم أن الإرادة الشعبية إذا اجتمعت مع التخطيط المحكم والتضحية، فإنها قادرة على كسر أي قوة مهما بلغت.
حـرب السادس من أكتوبر ليست مجرد ذكرى نحتفل بها كل عام، بل هي درس خالد في الوطنية والصمود والتخطيط. إنهـا رسالة للأجيال القادمة بأن المستحيل يمكن أن يتحقق بالإيمان والعزيمة، و سـيبقى يوم 6 أكتوبر شاهدًا على أن مصر قادرة دائـمًا على مـواجهة التحديات وصناعة النصر ..